عن التنمية البشرية و الفساد

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

أصدرت الأمم المتحدة تقرير التنمية البشرية لعام 2010 تحت عنوان "الثروة الحقيقية للأمم: مسارات إلى التنمية البشرية". و لمن لا يعرف ما هو تقرير التنمية البشرية فالتعريف الرسمي له أنه "تقرير مستقل يصدر بتكليف من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويعده فريق من كبار الخبراء، والعاملين في حقل التنمية، وموظفي مكتب تقرير التنمية البشرية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويُترجم التقرير إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة ويصدر سنويا في أكثر من 100 بلد، و قد بدأ صدوره عام 1990 بهدف العودة بالناس إلى محور عملية التنمية من حيث النقاش الاقتصادي، والسياسات والدعوة".
خبر عادي نشرته وكالات الأنباء العالمية، و بطبيعة الحال تناقلته الصحف المكتوبة و نشرات الأخبار في التليفزيون.
في العادة، أنا لا أهتم لصدور هذه التقارير، لا لشيء، إلا أنني في كل مرة أحتاج إلى مترجم حتى و لو كان التقرير مكتوبا بالعربية. فهو دائما مليء بالأرقام و تعابير لا أفقهها أبدا. فكفيت نفسي شر الاطلاع عليها لأنني في نهاية المطاف ، لن يأتيني من وراءها سوى "وجع الرأس".

غير أنني هذه المرة خرجت عن هذه القاعدة التي كنت أعتبرها مقدسة بسبب مقال في جريدة الشروق الجزائرية و التي يسميها الجميع هنا بجريدة "المــ..........." (رقابة ذاتية تمنعني من تكملة كتابة الكلمة).

مكتوب بالبنط العريض " الجزائر في المرتبة التاسعة عالميا من حيث سرعة التنمية البشرية". (والله ما كنت أعرف). بكل صراحة، استفزني هذا العنوان. فتقرير التنمية البشرية الأول، الصادر سنة 1990 جاء في ديباجته ما يلي "الأشخاص هم الثروة الحقيقية للوطن"، لأنه يعني أنني أعيش في نعيم و لا أعرف.
فنفس الصفحة التي تحوي الخبر في الجانب الأيمن، يوجد بها على الجانب الأيسر أخبار "تنكد لك عيشتك" إلى الأبد. (لاحظ الصورة). و قد جاء في الحديث النبوي عن الرسول صلى الله عليه و سلم: "إذا لم تستح فافعل ما شئت"، و عندنا في الجزائر نقول عن الذي يورد خبرا و هو متأكد أنه كاذب، و يصر على صحته بأنه "صحيح الوجه" و لعل أقرب كلمة في اللغة العربية لتعريف معناها هي "صفيق".

هل هناك "صفاقة" أو "وجه صحيح" أكثر من هذا


فهل من المعقول أننا في المرتبة التاسعة عالميا و  المواطنون الجزائريون دفعوا لفرنسا 4 ملايين أورو مقاب الحصول على تأشيرات. و نواب البرلمان يشتكون حرمانهم من رسم السياسة الاقتصادية للبلد (فمن يرسمها إذن؟؟؟؟؟؟)
إذا كنا في المرتبة التاسعة عالميا، و لدينا احتياطي صرف بلغ حسب صندوق النقد الدولي 157 مليار دولار، فالمفروض أن نحاسب جميع المسئولين الجزائريين و نسألهم لماذا لسنا في المرتبة الأولى؟؟؟؟؟؟؟؟
فعقدت العزم على مضض أن أطلع على هذا "التقرير الشؤم"، فربما أكون مخطئا و هذا لوحده يستحق وجع الرأس الذي سأسببه لنفسي. المفاجأة، أن الجزائر ليست في المرتبة التاسعة و لا العاشرة، و.... و.... و لا حتى الخمسين. الجزائر،  يا سادة يا كرام في المرتبة الرابعة و الثمانين (نعم أقولها و أعيد 84).
هذا منطقي أكثر بالنظر للأخبار المنشورة في جريدة "الشرو......" و كل المعطيات و الإحصائيات الخاصة بالجزائر متوفرة على الرابط التالي:
الأدهى و الأمر أن أحد الأصدقاء أخبرني أن الجزائر تراجعت مرتبة هذه السنة (يا سلام يعنى كنا 83 صرنا 84 من 169 دولة، من الأحسن للأحسن). مع العلم أن إسرائيل جاءت في المركز الخامس عشر (15).

الجزائر في المرتبة 84

و بما أنني لا أفهم كثيرا في الإحصاءات و الأرقام الوردة في التقرير، فقد ذهبت إلى موقع وكالة رويترز التي نقل عنها كل الناس الخبر، لأنها على ما يبدو اطلعت على التقرير قبل نشره . فوجدت فعلا أن الجزائر جاءت في المركز التاسع و لكن عربيا.و اطلعت أيضا على تقرير التنمية البشرية العربية لسنة 2009
 التقرير الذي جاء تحت عنوان "تحديات امن الإنسان في البلدان العربية" مكون من 288 صفحة و هو و إن كان يتناول الدول العربية بصفة عامة (حسب الملخص الذي قرأته)، إلا أنني أعتقد جازما أننا "كلنا في الهم شرق".
 و أهم ما جاء فيه بنظري أمران:
أولهما: أن "الذي يهدد امن الإنسان العربي يتجاوز مسألة النزاعات المسلحة ليشمل قضايا أخرى أساسية منها التدهور في البيئة والوضع الهش لعدد كبير من الفئات الاجتماعية والتقلب الاقتصادي الناتج عن الاعتماد المفرط على النفط والأنظمة الصحية الضعيفة وعدم خضوع الأجهزة الأمنية للمساءلة". ( و أضع تحت هذه الجملة الأخيرة ألف خط)
و ثانيهما: و هو نتيجة حتمية للجملة الأخيرة في المقطع الأول أن "العلاقة بين الدولة وأمن الإنسان ليست علاقة سليمة.. ففيما يتوقع من الدولة أن تضمن حقوق الإنسان نراها في عدة بلدان عربية تمثل مصدرا للتهديد ولتقويض المواثيق الدولية والأحكام الدستورية الوطنية" و قد سبق و أن كتبت تدوينة سابقة بعنوان " صورة الوطن" أشرت فيها إلى هذا الموضوع تحديدا.

 المهم في القضية، أنني و بعد وجع الرأس الذي سببه لي قراءة تقرير التنمية البشرية، رأيت أن أرى ترتيب الجزائر في تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2010. فوجدت أن الجزائر جاءت في المرتبة 105 من أصل 178 دولة شملها الترتيب، و الترتيب هو من الدول الأقل فسادا إلى الأكثر، (إسرائيل جاءت في المرتبة 30).
للأمانة، نفس الصديق السابق الذكر، أخبرني أيضا أن الجزائر سنة 2009 جاءت في المرتبة 111. أي أننا و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، صرنا أقل فسادا هذه السنة.

0 تعليقات:

إرسال تعليق