الأربعاء، 1 فبراير 2023

محمد عبده: صوت العقل في زمن الجمود

 ظل الإمام محمد عبده (1849–1905) رمزًا بارزًا في مسار التنوير والإصلاح الديني في العالم الإسلامي الحديث، إذ مثّل مشروعه الفكري محطة أساسية في محاولة استعادة دور العقل في تفسير النصوص الدينية، وتحرير الفكر الإسلامي من الجمود الذي استمر لقرون. لقد رأى أن العقل لا يتعارض مع الوحي، بل هو أداته لفهم مقاصد الشريعة وتحقيق نهضة الأمة، فانبرى للدفاع عن هذا المبدأ في وجه خصومه من أنصار التقليد، ممن كانوا يرون أن أي اجتهاد خارج الإطار الموروث يُعد تجاوزًا على الدين.

كان محمد عبده يؤمن إيمانًا راسخًا بأن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق دون تحرير الفكر من هيمنة النقل الأعمى، ومن هذا المنطلق دعا إلى تقديم العقل عند التعارض الظاهري بينه وبين النص، ما اعتبره البعض خروجًا على المألوف، فأثار بذلك حفيظة المؤسسة الدينية التقليدية، لا سيما داخل الأزهر، حيث اتُّهم من قبل بعض شيوخه بالكفر والزندقة. لم تقتصر معاركه الفكرية على القضايا العقائدية، بل امتدت إلى مسائل مجتمعية عملية، مثل الدعوة إلى توثيق الطلاق لحماية حقوق المرأة، وضرورة تعليم العلوم الحديثة في المعاهد الدينية، وإدخال مؤلفات رائدة مثل "مقدمة ابن خلدون" في مناهج الدراسة.

واجه الإمام هجومًا عنيفًا من رجال دين نافذين، كان أبرزهم الشيخ عليش الذي لم يتردد في اتهامه وتكفير أستاذه جمال الدين الأفغاني، بل دعا علنًا إلى قتلهما، في تجلٍّ لحالة من التصلب الفكري التي كانت ترفض كل محاولة للتجديد. رغم ذلك، واصل محمد عبده مشروعه بثبات، معتمدًا على رؤية إصلاحية شاملة تجمع بين التمسك بجوهر الدين والانفتاح على مناهج المعرفة الحديثة. خلال فترة توليه منصب مفتي الديار المصرية، سعى إلى تقنين الوقف، ورفض محاولات ضم أراضيه إلى سلطة الخديوي، وهو ما أثار غضب البلاط ودفعه إلى تحريض خصومه ضده، حتى في مماته.

عندما توفي محمد عبده عام 1905، خرجت جنازته في موكب شعبي مهيب أغضب السلطات الحاكمة، حتى أن الخديوي عباس حلمي الثاني استنكر ذلك الغضب بالقول: "جنازة حارة والميت كلب!"، ما يعكس عمق الخصومة بين السلطة السياسية ورجل الدين الإصلاحي الذي لم يساوم على مبادئه. لقد مثّل محمد عبده امتدادًا لحركة تنوير بدأت ملامحها مع رفاعة الطهطاوي، الذي اكتشف مظاهر التقدم الأوروبي خلال بعثته إلى باريس، ودعا إلى تعليم المرأة وفتح المجال أمام الدستور، ثم تبلورت هذه الحركة مع الأفغاني، الذي نظر إلى الإصلاح من زاوية الثورة الدينية، في حين اختار عبده مسارًا أكثر تدرجًا وواقعية، يركز على التعليم والتكوين الفكري.

إن تجربة محمد عبده التنويرية لا يمكن فصلها عن سياقها التاريخي، إذ جاءت ردًا على حالة من الانبهار والانكفاء في آن واحد، في ظل صدمة التفاوت الحضاري مع الغرب، ما دفعه إلى التساؤل حول الأسباب التي جعلت المسلمين يتخلفون، فيما تقدم غيرهم. وقد حاول أن يجيب على هذا السؤال من خلال مشروع يعيد للعقل دوره، وللدين روحه، ويُخرج الأمة من أسر الجمود إلى أفق الاجتهاد. ورغم مرور أكثر من قرن على رحيله، لا تزال أفكاره تُستدعى كلما تجدد النقاش حول علاقة الإسلام بالعقل، وحدود التجديد، وضرورات النهضة.

لقد كان محمد عبده مفكرًا إصلاحيًا متوازنًا، جمع بين الأصالة والمعاصرة، وترك أثرًا لا يُمحى في مسار الفكر الإسلامي الحديث، ومنحنا نموذجًا لرجل الدين الذي لا يخشى مواجهة السلطة، ولا يخضع لسطوة الجمهور، ولا يتردد في مساءلة الموروث إذا ما تعارض مع مقتضيات العقل والعدل.

QUALITE ARCHITECTURALE (2): QUAND LA MAITRISE D’OUVRAGE PUBLIQUE SABOTE L’ARCHITECTURE

Dans les écoles d’architecture, on apprend que l’architecte occupe une place centrale. Il est censé garantir la qualité architecturale, coor...