لقد كانت تونس شرارة الربيع العربي، وكانت ثورتها عنوانًا للأمل، وبوابةً لحلم عربي طال انتظاره. لكن بعد أكثر من عقد من الزمن، يبدو أن هذا "الربيع" لم يُزهر كما تمنّى الثوار الأوائل. فالديمقراطية وحدها لا تكفي إذا لم تقترن بعدالة اجتماعية واقتصادية، وإذا لم تُصن بالحريات وتُدعم بمؤسسات قوية تحميها من الارتداد.
التجربة التونسية أظهرت أن التغيير السياسي لا يعني بالضرورة تغييرًا جذريًا في الواقع المعيشي، وأن النخب السياسية، حين لا تكون في مستوى طموحات الشعب، قد تتحول إلى عبء على الثورة بدل أن تكون رافعة لها.
ورغم كل الانتكاسات، يبقى الأمل قائمًا. تونس ما زالت تملك فرصة ذهبية لتصحيح المسار، لا من خلال العودة إلى الوراء أو الاحتماء بالشعارات، بل من خلال مراجعة حقيقية لتجربة ما بعد الثورة: أسباب تعثرها، مسؤوليات النخب، دور المجتمع المدني، وضرورة بناء عقد اجتماعي جديد يستجيب لتطلعات الشباب، ويحمي المكتسبات، ويعيد الثقة في السياسة والعمل العام.
وفي السياق العربي الأوسع، أثبتت الثورات أن الشعوب لا تُستعبد إلى الأبد، وأن الاستقرار القائم على الخوف هشّ بطبيعته. لكن هذه الثورات، حتى تنجح، تحتاج إلى وعي جمعي ناضج، إلى بناء بدائل واقعية، وإلى مشروع حضاري يوازن بين الحرية والمسؤولية، وبين الهوية والانفتاح.
تونس لا تزال تكتب تاريخها، وصفحات الثورة لم تُغلق بعد. وبين المدّ والجزر، يبقى صوت الشعب هو الفيصل.
x
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق