في عالم عربي تربى على التفرد والسلطة، وجدت الديمقراطية الغربية نفسها غريبة عن البيئة، كعروس دخلت بيتًا لا يشبهها، فاختُطفت قيمتها، وانتُهكت أهدافها تحت عيون المراقبين من الدول الكبرى ومنظمات حقوق الإنسان. لم يكن العرب ضد الديمقراطية لأنهم يكرهون الحرية، بل لأنهم تعاملوا معها كفكرة مستوردة، وكأنها مجرد كلمة تُردَّد في المناسبات أو شرارة تُشعل عند الحاجة، ثم تُطفأ بعد انتهاء المسرحية الانتخابية.
ماذا يعني أن تكون لدينا "ديمقراطية"؟
ما الذي حدث بالفعل؟ حاول العرب التعامل مع فكرة الديمقراطية بأطر ثقافية وسياسية مختلفة، فلم يسعوا لزواج شرعي حقيقي يحترم قيم هذه الفكرة، بل اختاروا ما يشبه "زواج المتعة": استخدموها وقت الحاجة، ثم طلقوها بمجرد أن تحققت المصالح. البعض رضي بـ"زواج المسيار"، حيث تتنازل المعارضة عن دورها الحقيقي مقابل وجود شكلي ومخصصات مالية رمزية. والبعض الآخر اختار "الزواج بالضرة"، حيث يبقى الحاكم فوق كل اعتبار، ويحكم عبر قوانين الطوارئ، بينما يُطلب من الشعب القبول بالواقع باسم "الاستقرار الوطني".
أنواع الديمقراطيات في العالم العربي
ولأن العرب أمة الخصوصيات، فقد طوَّروا نسخاً محلية من الديمقراطية، تختلف جذرياً عمّا يعرفه العالم:
- الديمقراطية الموسمية: تظهر فقط في مواسم الانتخابات.
- الديمقراطية الرمزية: حيث يُرفع شعار الديمقراطية دون تفعيل آلياتها.
- الديمقراطية الثابتة والوراثية: الحكم لا يتغير، سواء كان بالدم أو بالقوة.
- الديمقراطية الدينية: تحويل الشعارات الدينية إلى أدوات انتخابية.
- الديمقراطية المشاكسة: معارضة بلا فعل، واحتجاج بلا حلول.
كل هذه الأنواع ليست إلا إنتاجاً محلياً خالصاً، يعكس الواقع السياسي العربي، ويُظهر مدى بُعد بعض التجارب عن الروح الحقيقية للديمقراطية.
ماذا عن الدور الغربي؟
لكن الغرب، الذي يدَّعي أنه نصير للحرية، سكت على هذا التشويه. بدلاً من دعم الشعوب ومساعدتها على بناء دول حقيقية، راهن على الأنظمة التي تخدم مصالحه، وغض الطرف عن التزوير والفساد، طالما كانت أبواب النفط والمصالح مفتوحة. المنظمات الدولية التي تصرخ لو قُطع شعرة من رأس طفل في الغرب، تصمت بصمت الموت حينما تُقتل الشعوب العربية وتُنتهك حقوقها.
الخلاصة: هل يمكننا إعادة تعريف الديمقراطية؟
الديمقراطية إذن، في كثير من الساحات العربية، أصبحت مجرد لعبة سياسية، تُستخدم لشرعنة الاستبداد، وتمويه الفساد، وإيهام العالم بأن هناك تطوراً ديمقراطياً، بينما الواقع يقول غير ذلك. إذا كنا نريد ديمقراطية حقيقية، فهي لن تأتي من الخارج، ولن تُفرض بقوانين أو تدخلات أجنبية، بل يجب أن تكون نتاجاً طبيعياً لوعي شعبي حقيقي، ورغبة حقيقية في التغيير، بعيداً عن المصالح الضيقة والاستنساخ الأعمى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق