شهدت منطقة شمال إفريقيا والعالم العربي تحولاً مهماً بعد الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في تونس، وهو ما قد يمهد لموجة تغيير في دول أخرى مثل الجزائر، المغرب، مصر، وليبيا. تلك الاحتجاجات كانت نتيجة تزايد مشاعر الغضب الشعبي بسبب الظلم الاجتماعي والسياسي، والفساد المستشري في معظم الأنظمة الحاكمة في المنطقة. حيث أدت سياسات الاستبداد، ونهب الثروات، واحتقار حقوق الإنسان من قبل الحكام إلى حالة من التذمر الجماهيري، جعلت التظاهرات تبدو حتمية للعديد من الشعوب.
مع اندلاع الاحتجاجات في تونس، تبرز صورة قاتمة عن الدعم الغربي المستمر لهذه الأنظمة الاستبدادية، رغم انتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان. فالحكومة التونسية السابقة، على سبيل المثال، كانت تعتبر من "الأبناء المدللين" للغرب بسبب تبنيها سياسة قمعية تجاه الإسلاميين. هذا الدعم الغربي، الذي غالباً ما يكون موجهًا إلى الاستقرار السياسي بغض النظر عن القيم الديمقراطية، أظهر تناقضاً صارخاً مع ما يدعيه الغرب من مبادئ ديمقراطية، وأدى إلى تقوية الأنظمة الفاسدة على حساب تطور الديمقراطية في المنطقة.
الانتقائية الغربية في التعامل مع الأزمات في العالم العربي هي أحد الأسباب الرئيسية التي تبرز في هذا السياق. بينما نجد الغرب يدعم الحركات الشعبية والثورات في مناطق مثل أوروبا الشرقية أو أمريكا اللاتينية، فإنه يتجاهل أو يتواطأ أحياناً مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية. هذا التوجه جعل الغرب شريكًا غير مباشر في القمع السياسي، وهو ما ألقى بظلاله على محاولات الشعوب العربية في السعي نحو التغيير والتحرر.
من ناحية أخرى، لعبت وسائل الإعلام الحديثة دوراً مهماً في تيسير التغيير في تونس. فقد ساعدت منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت الناشطين في تنظيم الاحتجاجات ونقل الصورة الحقيقية للأحداث إلى العالم، متجاوزة الرقابة الحكومية، ومؤثرة في الرأي العام العالمي. هذه الوسائل الحديثة أصبحت أداة رئيسية للتنسيق بين الفئات المعارضة والتعبير عن الغضب الشعبي، مما ساهم في جعل الاحتجاجات أكثر تنظيماً وفعالية.
وفيما يتعلق بالمؤسسة العسكرية، فقد ظهر موقف مفصلي في تونس عندما رفض الجنرال رشيد عمار إطلاق النار على المتظاهرين، وهو ما أسهم في انهيار النظام بسرعة. هذا الموقف يعكس تغييرًا في استجابة المؤسسة العسكرية التي أدركت أن الدفاع عن الأنظمة الفاسدة قد يعرضها لملاحقة قانونية دولية، مما جعلها تتراجع أمام ضغط الشعب.
الاحتجاجات في تونس أظهرت أيضاً أن الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي أصبحت أمام خيارين: إما الانفتاح الحقيقي والإصلاح السياسي أو مواجهة المزيد من الاضطرابات الشعبية. وإذا لم تتحقق الإصلاحات، فإن الاحتجاجات قد تنتقل إلى دول أخرى في المنطقة، مما يعني أن مرحلة جديدة من التغيير السياسي قد بدأت بالفعل.
في هذا السياق، أصبح من الواضح أن دعم الغرب لهذه الأنظمة أصبح غير قابل للاستمرار. مع استمرار هذه الأنظمة في التمسك بالسلطة عبر القمع، أصبح الغرب جزءًا من المشكلة بدلاً من أن يكون حلاً، مما يعوق التقدم نحو الديمقراطية والعدالة في العالم العربي.
x
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق