يشهد العصر الرقمي اليوم ثورة غير مسبوقة في مجال الإعلام بفعل التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي باتت تؤثر بشكل مباشر على طريقة إنتاج وتلقي المعلومات. فقد أصبح بإمكان خوارزميات متقدمة توليد محتوى بصري وسمعي يُحاكي الواقع بدقة مذهلة، الأمر الذي يفرض تحديات جديدة على الأفراد والمجتمعات، تتعلق بتمييز الحقيقة من الزيف.
أبرز هذه التقنيات هي أدوات مثل "ديب فيك" (Deepfake) وشبكات التوليد التنافسية (GANs)، التي تتيح خلق صور وفيديوهات وصوتيات مزيّفة يصعب على المشاهد العادي التمييز بينها وبين المحتوى الحقيقي. ومع تصاعد استخدام هذه الأدوات في الفضاء الرقمي، أصبح من السهل توجيه الرأي العام أو تزييف الحقائق لأغراض سياسية، تجارية أو أيديولوجية.
في هذا السياق، يبرز مفهوم الوعي الإعلامي كضرورة حيوية وليس مجرد مهارة اختيارية. إذ لم يعد كافيًا أن نستهلك المعلومات، بل أصبح واجبًا علينا أن نتعلم كيفية تحليل مصادرها، وتقييم مصداقيتها، وفهم السياقات التي تُنتج فيها. فكل معلومة تُتداول اليوم – خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي – قد تكون موجهة أو منقوصة أو حتى مزيفة بالكامل.
وتتضاعف أهمية هذا الوعي في بيئة إعلامية مفتوحة وسريعة كوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تساهم سرعة النشر وقابلية الانتشار الواسع في تعزيز تأثير المعلومات الخاطئة. وهنا تبرز الحاجة إلى تربية إعلامية ممنهجة، تبدأ من المؤسسات التعليمية وتمتد إلى الحملات المجتمعية، تهدف إلى تأهيل الأفراد لاستهلاك إعلامي واعٍ ومسؤول.
انطلاقًا من هذه الحاجة، تعمل منظمات دولية متخصصة مثل اليونسكو، والجمعية الوطنية للتربية الإعلامية (NAMLE)، واللجنة الرئاسية للمعلوماتية التابعة لجمعية المكتبات الأمريكية، على تطوير مناهج ومعايير لتعزيز الوعي الإعلامي في المناهج التربوية والسياسات العامة، باعتباره من الأدوات الأساسية في الدفاع عن حرية التعبير وصون الديمقراطية.
أمام هذا الواقع، لا بد من إعادة صياغة العلاقة بين التكنولوجيا، والإعلام، والتشريعات القانونية، بحيث يتم إيجاد توازن بين حرية التعبير وحماية المجتمعات من التلاعب بالمعلومة. فالمعرفة وحدها لم تعد كافية؛ بل يتطلب الأمر وعيًا نقديًا قادرًا على مواجهة زيف الصورة الرقمية، وتمييز الحقيقة وسط ضجيج المعلومات.
الأحد، 4 مايو 2025
. "وعي إعلامي جديد لعصر رقمي متغير"
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
QUALITE ARCHITECTURALE (2): QUAND LA MAITRISE D’OUVRAGE PUBLIQUE SABOTE L’ARCHITECTURE
Dans les écoles d’architecture, on apprend que l’architecte occupe une place centrale. Il est censé garantir la qualité architecturale, coor...
-
العمارة ليست مجرد ممارسة تقنية تُعنى بتشييد المباني وتوزيع الفضاءات، بل هي فعلٌ ثقافي وإنساني في جوهره، يتجاوز الوظيفة نحو الإبداع والتأثير....
-
فاجأت انتفاضة الكرامة التونسية الكثيرين، بمن في ذلك 'العرافين' و المنجمين في مراكز الأبحاث والدراسات في الغرب، وفضائيات الشرق، واث...
-
أ صدرت الأمم المتحدة تقرير التنمية البشرية لعام 2010 تحت عنوان " الثروة الحقيقية للأمم: مسارات إلى التنمية البشرية". و لمن لا يعرف...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق